يتناول المبشرون والمستشرقون موضوع « تعدد الزوجات » وكأنه شعيرة من شعائر الإسلام , أو واجب من واجباته , أو على الأقل مستحب من مستحباته . وهذا ضلال أو تضليل , فالأصل الغالب في زواج المسلم : أن يتزوج الرجل بامرأة واحدة تكون سكن نفسه , وأنس قلبه , وربة بيته , وموضع سره , وبذلك ترفرف عليهما السكينة والمودة والرحمة , التي هي أركان الحياة الزوجية في نظر القرآن .
ولذا قال العلماء : يكره لمن له زوجة تعفه وتكفيه أن يتزوج عليها , لما فيه من تعريض نفسه للمحرم , قال تعالى : ( ولن تستطيعوا أن تعدلوا بين النساء ولو حرصتم , فلا تميلوا كل الميل ) .
وقال النبي صلى الله عليه وسلم : « من كان له امرأتان فمال إلى إحداهما , جاء يوم القيامة وشقه مائل »
أما من كان عاجزاً عن الإنفاق على الزوجة الثانية , أو كان يخشى من نفسه ألا يعدل بين زوجتيه فحرام عليه أن يقدم على الزواج من الأخرى , قال تعالى : ( فإن خفتم ألا تعدلوا فواحدة ) .
وإذا كان الأفضل في الزواج أن يقتصر المرء على واحدة - اتقاء للمزالق وخشية من المتاعب في الدنيا والعقوبة في الآخرة . فإن هناك اعتبارات إنسانية : فردية واجتماعية ( سنذكرها ) جعلت الإسلام يبيح للمسلم أن يتزوج بأكثر من واحدة , لأنه الدين الذي يوافق الفطرة السليمة , ويعالج الواقع الماثل , دون هرب ولا شطط , ولا إغراق في الخيال .
تعدد الزوجات بين الأمم القديمة والإسلام :
يتحدث بعض الناس عن تعدد الزوجات وكأن الإسلام هو أول من شرعه . وهو جهل منهم أو تجاهل للتاريخ , فقد كان كثير من الأمم والملل - قبل الإسلام - يبيحون التزوج بالجم الغفير من النساء قد يبلغ العشرات , وقد يصل إلى المائة وأكثر , دون اشتراط لشرط , ولا تقيد بقيد. وقد ذكر « العهد القديم » أن داود كان عنده ثلاثمائة امرأة , وأن سليمان كان عنده سبعمائة ما بين زوجة وسرية .
فلما جاء الإسلام وضع لتعدد الزوجات قيداً وشرطاً . فأما القيد فجعل الحد الأقصى للزوجات أربعاً . وقد أسلم غيلان بن سلمة وتحته عشر نسوة , فقال له النبي صلى الله عليه وسلم : « اختر منهن أربعا وفارق سائرهن » . وكذلك من أسلم عن ثمان وعن خمس , أمره الرسول صلى الله عليه وسلم ألا يمسك منهن إلا أربعا .
أما زواج الرسول صلى الله عليه وسلم بتسع فكان هذا شيئا خصه الله به , لحاجة الدعوة في حياته , وحاجة الأمة إليهن بعد وفاته , وقد عاش جل حياته مع زوجة واحدة .
العدل شرط إباحة التعدد :
وأما الشرط الذي اشترطه الإسلام لتعدد الزوجات , فهو ثقة المسلم في نفسه , أن يعدل بين زوجتيه , في المأكل والمشرب والملبس والمسكن والمبيت والنفقة , فمن لم يثق في نفسه في القدرة على هذه الحقوق , بالعدل والتسوية , حرم عليه أن يتزوج بأكثر من واحدة , قال تعالى : ( فإن خفتم ألا تعدلوا فواحدة ) .
وقال عليه الصلاة والسلام : « من كانت له امرأتان يميل لإحداهما على الأخرى جاء يوم القيامة يجر أحد شقيه ساقطا - أو مائلا » .
والميل الذي حذر منه هذا الحديث , هو الجور على حقوقها , لا مجرد الميل القلبي , فإن هذا داخل في العدل الذي لا يستطاع , والذي عفا الله عنه وسامح في شأنه , قال سبحانه وتعالى : ( ولن تستطيعوا أن تعدلوا بين النساء ولو حرصتم , فلا تميلوا كل الميل ) , ولهذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقسم فيعدل , ويقول : « اللهم هذا قسمي فيما أملك , فلا تلمني فيما تملك ولا أملك » يعني بما لا يملكه , أمر القلب والميل العاطفي إلى إحداهن خاصة .
وكان إذا أراد سفراً حكم بينهن القرعة , فأيتهن خرج سهمها سافر بها . وإنما فعل ذلك دفعاً لوغر الصدور , وترضية للجميع .
الحكمة في إباحة التعدد :
إن الإسلام هو كلمة الله الأخيرة التي ختم بها الرسالات , لهذا جاءت بشريعة عامة خالدة , تتسع للأقطار كلها , وللأعصار قاطبة , وللناس جميعا .
إنه لا يشرع للحضري ويغفل البدوي , ولا للأقاليم الباردة وينسى الحارة , ولا لعصر خاص مهملاً بقية العصور والأجيال . إنه يقدر ضرورة الأفراد , وضرورة الجماعات .
فمن الناس من يكون قوي الرغبة في النسل , ولكنه رزق بزوجة لا تنجب لعقم أو مرض أو غيره , أفلا يكون أكرم لها , وأفضل له , أن يتزوج عليها من تحقق له رغبته , مع بقاء الأولى , وضمان حقوقها ؟
ومن الرجال من يكون قوى الغريزة , ثائر الشهوة , ولكنه رزق بزوجة قليلة الرغبة في الرجال , أو ذات مرض , أو تطول عندها فترة الحيض أو نحو ذلك , والرجل لا يستطيع الصبر كثيراً على النساء , أفلا يباح له أن يتزوج بأخرى حليلة , بدلا من أن يبحث عن خليلة ؟ أو بدلا من أن يطلق الأولى ؟
وقد يكون عدد النساء أكثر من عدد الرجال , وخاصة في أعقاب الحروب التي تلتهم صفوة الرجال والشباب , وهناك تكون مصلحة المجتمع , ومصلحة النساء أنفسهن في أن يكن ضرائر , بدلا من أن يعشن العمر كله عوانس محرومات من الحياة الزوجية , وما فيها من سكون ومودة وإحصان , ومن نعمة الأمومة , ونداء الفطرة في ثناياهن يدعو إليها .
إنها إحدى طرائق ثلاث , أمام هؤلاء الزائدات عن عدد الرجال القادرين على الزواج :
1. فإما أن يقضين العمر كله في مرارة الحرمان من حياة الزوجية والأمومة .
2. وإما أن يرخى لهن العنان , ليعشن أدوات لهو لعبث الرجال المفسدين . وما يترتب على ذلك من إتيانهن بأطفال غير شرعيين ( أولاد حرام ) , وكثرة عدد اللقطاء المحرومين من الحقوق المادية والمعنوية , ليكونوا عالة على المجتمع , وأداة هدم فيه وإفساد .
3. وإما أن يباح لهن الزواج برجل متزوج قادر على النفقة والإحصان . ولا ريب أن هذه الطريقة الأخيرة هي الحل العادل الأمثل , والبلسم الشافي . وذلك هو ما حكم به الإسلام : ( ومن أحسن من الله حكماً لقوم يوقنون ) .
التعدد نظام أخلاقي إنساني :
إن نظام التعدد - كما شرعه الإسلام - نظام أخلاقي إنساني .
أما أنه أخلاقي .. فلأنه لا يسمح للرجل أن يتصل بأي امرأة شاء , وفي أي وقت شاء . إنه لا يجوز له أن يتصل بأكثر من ثلاث نساء زيادة عن زوجته . ولا يجوز له أن يتصل بواحدة منهن سراً , بل لا بد من إجراء العقد وإعلانه ولو بين نفر محدود , ولا بد من أن يعلم أولياء المرأة بهذا الاتصال المشروع , ويوافقوا عليه , أو أن لا يبدوا عليه اعتراضا , ولا بد من تسجيله - بحسب التنظيم الحديث - في محكمة مخصصة لعقود الزواج . ويستحب أن يولم الرجل عليه , وأن يدعو لذلك أصدقاءه , وأن يضرب له الدفوف ( الموسيقى ) مبالغة في الفرح والإكرام .
وأما أنه إنساني .. فلأنه يخفف الرجل به من أعباء المجتمع بإيواء امرأة لا زوج لها , ونقلها إلى مصاف الزوجات المصونات المحصنات .
ولأنه يدفع ثمن اتصاله الجنسي مهراً وأثاثاً .ونفقات تعادل فائدته الاجتماعية من بناء خلية اجتماعية تنتج للأمة نسلاً عاملاً .
ولأنه لا يخلى بين المرأة التي اتصل بها وبين متاعب الحمل وأعبائه , تحتمله وحدها بل يتحمل قسطاً من ذلك بما ينفقه عليها أثناء حملها وولادتها .
ولأنه يعترف بالأولاد الذين أنجبهم هذا الاتصال الجنسي , ويقدمهم للمجتمع ثمرة من ثمرات الحب الشريف الكريم , يعتز هو بهم , وتعتز أمته في المستقبل بهم .
إن نظام التعدد كما قال الدكتور مصطفى السباعي - رحمه الله - يعدد الإنسان فيه شهوته إلى قدر محدود , ولكنه يضاعف أعباءه ومتاعبه ومسئولياته إلى قدر غير محدود .
لا جرم أن كان نظاماً أخلاقياً يحفظ الأخلاق , إنسانيا يشرف الإنسان .
تعدد الغربيين لا أخلاقي ولا إنساني :
وأين هذا من التعدد الواقع في حياة الغربيين , حتى تحداهم أحد كتابهم أن يكون أحدهم وهو على فراش الموت يدلي باعترافاته للكاهن , بأنه اتصل بامرأة ولو مرة واحدة في حياته .
إن هذا التعدد عند الغربيين واقع من غير قانون , بل واقع تحت سمع القانون وبصره .
إنه لا يقع باسم الزوجات , ولكنه يقع باسم الصديقات والخليلات .
إنه ليس مقتصراً على أربعة فحسب , بل هو إلى ما لا نهاية له من العدد .
إنه لا يقع علناً تفرح به الأسرة , ولكن سراً لا يعرف به أحد .
إنه لا يلزم صاحبه بأية مسئولية مالية نحو النساء اللاتي يتصل بهن , بل حسبه أن يلوث شرفهن , ثم يتركهن للخزي والعار والفاقة وتحمل آلام الحمل والولادة غير المشروعة .
إنه لا يلزم صاحبه بالاعتراف بما نتج عن هذا الاتصال من أولاد , بل يعتبرون غير شرعيين , يحملون على جباههم خزي السفاح ما عاشوا , ولا يملكون أن يرفعوا بذلك رأسا .
إنه تعدد قانوني من غير أن يسمى تعدد الزوجات , خال من كل تصرف أخلاقي , أو يقظة وجدانية , أو شعور إنساني .
إنه تعدد تبعث عليه الشهوة والأنانية , ويفر من محمل كل مسئولية .
فأي النظامين ألصق بالأخلاق , وأكبح للشهوة , وأكرم للمرأة , وأدل على الرقي , وأبر بالإنسانية ؟ .
عدل سابقا من قبل shaza في الخميس أبريل 30, 2009 7:46 pm عدل 2 مرات
الثلاثاء ديسمبر 15, 2009 11:34 pm من طرف الطيّب
» حَدِيثُ الْيَوْم
الثلاثاء ديسمبر 15, 2009 11:30 pm من طرف الطيّب
» الحجاب
الجمعة يوليو 10, 2009 8:44 pm من طرف نور الأسلام
» حديث الشفاعة
الجمعة يوليو 10, 2009 8:32 pm من طرف نور الأسلام
» الامور التي أمر النبي صلى الله عليه و سلم الاستعاذه منها
الجمعة يوليو 10, 2009 8:05 pm من طرف نور الأسلام
» الإبتسامهٌ
الجمعة يوليو 10, 2009 7:53 pm من طرف نور الأسلام
» فيديو (احذروا السيئات الجارية لفضيلة الشيخ محمد العريفي)
الجمعة يوليو 10, 2009 7:42 pm من طرف نور الأسلام
» هل لكم قلوب
الجمعة يوليو 10, 2009 6:39 pm من طرف نور الأسلام
» اللسان نعمة ونقمة
الإثنين يونيو 29, 2009 5:10 am من طرف نور الأسلام
» مواعظ
الإثنين يونيو 29, 2009 4:33 am من طرف نور الأسلام
» لعبة Jazz Jackrabbit 2
الإثنين يونيو 29, 2009 4:18 am من طرف نور الأسلام
» لعبة الدكتور ، مستشفى خاص فيك وتعالج وتسوي العمليات .. وربي خطيره
الإثنين يونيو 29, 2009 3:54 am من طرف نور الأسلام
» معني بسم الله الرحمان الرحيم
الإثنين يونيو 29, 2009 3:52 am من طرف نور الأسلام
» ما مضى فات
الإثنين يونيو 29, 2009 3:45 am من طرف نور الأسلام
» تذكر قبل أن تعصي الله
الإثنين يونيو 29, 2009 2:31 am من طرف نور الأسلام
» نضرة الإسلام إلى متبرجة
الإثنين يونيو 29, 2009 2:10 am من طرف نور الأسلام
» هل تسرح فى الصلاة؟؟؟العلاج موجود
الإثنين يونيو 29, 2009 1:58 am من طرف نور الأسلام
» الخيانه
الخميس يونيو 25, 2009 3:43 pm من طرف أبو أسامة الدمياطي
» أكره أن أدخل بطني إلا طيبا
الخميس يونيو 25, 2009 3:20 pm من طرف أبو أسامة الدمياطي
» سلسله اصول الفقه للشيخ احمد حطيبه
الخميس يونيو 25, 2009 7:46 am من طرف فارس الاسلام