وقد نظر المجتمع عبر المراحل التاريخية الى المرأة نظرة دونية فعانت من الضعف والاضطهاد والهوان، لكن ديننا الحنيف أعلى شأنها وحافظ على حقوقها كاملة دون انتقاص، وأنزلها منزلتها الحقة كمخلوق له الدور الكبير في تطوير وتنمية الحياة العامة الاجتماعية والاقتصادية والثقافية، فالمرأة مصونة الحقوق والواجبات في الإسلام، لها ما للرجل وعليها ما عليه، وخير دليل على ذلك ما ضمنه الرجل للمرأة من الانفاق والقوامة عليها وتأمين متطلباتها وتوفير اسباب الحياة السعيدة لها بموجب نص القرآن الكريم {الرجال قوامون على النساء}(النساء -34) لأن الاصل أن الرجل هو المكلف بالانفاق، أما بالنسبة للمرأة فقد أوكلت إليها مهمة عظيمة، مهمة الانجاب وتربية الاولاد والحرص على تأمين متطلبات الزوج وتدبير شؤون المنزل، والعمل على تنشئة جيل من الابناء تنشئة اجتماعية ودينية صالحة ليكون حجر الزاوية الهام في بناء مجتمعنا المطبق لتعاليم دينه المتمسك بقضايا امته، جيل يجعل عنوان حياته الوسطية في كل شيء فلا غلو ولا تطرف.
بهذا الدور الجبار الذي تقوم به المرأة في بناء مجتمعها ستحقق الاستخلاف في الأرض، وستنتج لنا جيلا مسلماً متمسكاً بتعاليم دينه الحنيف كما اراد رب العزة جل في علاه، لانها راعية ومسؤولة عن رعيتها.
وقد تعالت - حديثا - بعض الاصوات المنادية بتشجيع المرأة على الخروج الى سوق العمل لتخدم ذاتها ومجتمعها ولتبحث عن اسلوب العيش الكريم لها ولاولادها بذريعة الخوف من المستقبل المحفوف بالمخاطر، كالطلاق وموت الزوج او موت الأبوين ... الخ.
وهذا الامر ليس محل خلاف او اختلاف، فالإسلام لم يمنع المرأة مطلقاً من العمل ولكن وضع لذلك قيوداً وضوابط شرعية تلتزم بها المرأة العاملة دون تفريط بالواجبات الاساسية المناطة بها، وهي: الإنجاب والحضانة وتربية الاولاد وتدبير امور البيت والزوج، وفي حال دخول المرأة غمار العمل علينا ان نؤمّن لها العمل المناسب لطبيعتها كأنثى والملائم لجنسها، فلا نزج بالمرأة في اتون عمل شاق ومضن بين ماكينات النسيج ومصانع السيارات ومعامل الكيماويات، لأن ممارسة مثل هذه الأعمال ستنعكس سلباً على صحتها وصحة جنينها.
لذا يجب ان نتحرى لها العمل المناسب وأن نحدد لها ساعات عمل أقل، ونؤمن لأولادها دور الحضانة ووسائل المواصلات وقرب منطقة العمل، وان نبعدها عن الاعمال الليلية دون ان ننقص من اجرها شيئا، بهذا نكون قد يسرنا عمل المرأة وجلعناها تسهم اسهاماً فعالاً في بناء مجتمعها وذاتها دون التفريط في تربية الجيل الذي هو عمدة المجتمع واساسه المتين، لذا فما الفائدة من عمل المرأة اذا اهملنا تربية الابناء مقابل التنمية الاقتصادية؟ مما يجعل المجتمع خاسراً بسبب خروج الأبناء عن جادة الصواب وربما سلكوا سلوكاً اجتماعياً شاذاً واتبعوا طرقا هدامة تنعكس سلباً على بناء المجتمع الانساني الذي نتطلع الى بنائه بشكل صحيح.
وإذا نظرنا بين صفوف الاخوات والأمهات اللواتي ربين ابناءهن تربية صحيحة، فسنجدهم قادة ودعاة وعلماء ومربين، بينما كثير من الابناء الذين عملت امهاتهم دون الالتفات إليهم فشلوا في تحقيق النجاح سواء في مجال الدراسة او في مجالات الحياة الاخرى، كل هذا يجعلنا ندرك المهمة الحقة للمرأة في الإسلام.
من هنا كانت المناداة بلا افراط ولا تفريط في عمل المرأة، لكن نحن كمجتمع إسلامي له دستوره وتعاليمه وشريعته لم يترك الحبل على الغارب في قضية عمل المرأة، فهناك ضوابط شرعية واخلاقية لا بد ان تلتزم بها المرأة في حال خروجها للعمل من هذه الضوابط:
1- الحجاب الشرعي
يجب ان تكون المرأة العاملة بكامل حجابها بمعنى ألا تكون مختلطة مع الرجال، لأن الاختلاط له مساوئ متعددة ووخيمة عليها وعلى المجتمع، وهذا ما نبه عليه نبينا الكريم (صلى الله عليه وسلم) بقوله في الحديث المروي عن ابن عباس رضي الله عنهما: «ألا لا يخلون رجل بامرأة الا مع ذي محرم» (متفق عليه) وعن ابن عمر رضي الله عنهما في قصة خطبة عمر بالجابية: «ما خلا رجل بامرأة الا وكان الشيطان ثالثهما...»(رواه الترمذي).
2- أمن الفتنة
أي ألا يكون هناك افتتان لأن النبي (صلى الله عليه وسلم) يقول في الحديث المروي عن ابي سعيد (رضي الله عنه): «إن الدنيا حلوة خضرة وان الله تعالى مستخلفكم فيها فناظر كيف تعملون، فاتقوا الدنيا والنساء فان اول فتنة بني اسرائيل كانت من النساء» (رواه مسلم والنسائي)، وعن أسامة بن زيد رضي الله عنهما أنه قال قال: رسول الله (صلى الله عليه وسلم): «ما تركت بعدي فتنة هي أضر على الرجال من النساء» (الشيخان والترمذي) وفي هذا نصوص كثيرة من القرآن الكريم مثل قوله تعالى: {قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم...}(النور - 30)، وقوله تعالى: {وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن ويحفظن فروجهن}(النور -31)، فالقضايا هنا هي قضايا عقدية شرعية ثابتة لايمكن المساس بها مطلقا.
3- أن يكون عمل المرأة متناسباً مع طبيعتها كأنثى:
بمعنى ألا تعمل أعمالاً ليلية أو أعمالاً شاقة ومضنية تتعرض فيها لاستنشاق الغازات والمواد الضارة التي قد تؤذي صحتها وصحة جنينها.
وثمة قائل يقول بأننا ضيقنا مجالات عمل المرأة، فالصحيح أن عمل المرأة في كل زمان ومكان فهناك أعمال الحياكة والتطريز وبيع الألبسة النسائية العامة والخاصة، فالمجال رحب وفيه سعة كبيرة لمن أراد العمل العفيف، العمل المناسب لطبيعة المرأة كأنثى، وهذه واحدة من أمهات المؤمنين وهي زينب بنت جحش رضي الله عنها كانت صنّاعة اليد والنبي (صلى الله عليه وسلم) يقول: «أسرعكن لحاقا بي أطولكن يداً»(رواه مسلم) كانت تصنع الخوص والصوف وتتصدق مما تصنع، وللأسف أصبحت المرأة الآن تشتري حاجياتها وملابسها الداخلية الخاصة من رجال، وهذا ينافي طبيعة الشريعة وحقيقة الإسلام، وحري بالمرأة ان تمارس هذا العمل بدلاً من الرجل منعاً للفتنة والاختلاط غير المشروع الذي يتنافى مع تعاليم ديننا الحنيف.
4- ألا يطغى عمل المرأة على وظيفتها الأساسية في الحياة
ألا وهي وظيفة الإنجاب والولادة والإرضاع والتربية والحضانة وتدبير شؤون المنزل والقيام على حاجيات الزوج، اي لا يطغى العمل على الواجبات الأساسية المنوطة بها كأم ومربية ومرضعة، وهذا ما أكدت عليه نصوص الكتاب الكريم بقوله تعالى: {والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين لمن أراد أن يتم الرضاعة}(البقرة -233)، ويجمع التربويون اليوم على أن الأم تقوم بدور أساسي وهام لايمكن الاستعاضة عنه بأي دور آخر حتى أن الأب لايستطيع أن يقوم بهذا الدور، لأن الطفل يبقى مع أمه أكثر من 16 ساعة باليوم بينما الأب يذهب للعمل ويعود وينام ويرتاح من عناء التعب، مما يجعل من الصعب علىه القيام بذات الدور المهم والمتميز الذي انفردت به الأم لوحدها دون الأب، وقد كانت المرأة عبر التاريخ ترضع ابنها اللبن كما ترضعه مكارم الأخلاق، فأي دور أسمى وأرقى من هذا الدور الذي تقوم به الأم؟
خلاصة القول، إن عمل المرأة عمل يتسم بالوسطية كما ان الإسلام لايمنع المرأة من العمل منعاً مطلقاً في حال الحاجة اليه كي لا يجعلها مخلوقاً عالة يعيش على صدقات الآخرين، ولايبيحه إباحة تامة بل اجاز لها العمل ضمن ضوابط شرعية - فلا إفراط ولا تفريط - لئلا يطغى جانب على آخر فنخسر الأولاد على حساب العمل.
وهناك سبق تاريخي مشرف لبعض دول الخليج العربي في مجال عمل المرأة، فالمرأة تمسكت في هذه البلاد ولله الحمد والمنة بكامل حجابها فلا اختلاط ولا فتنة ومع ذلك نافست الرجال في الميادين العلمية والتربوية، وحصلت على اعلى الشهادات العالية كالماجستير والدكتوراه وهي بكامل حجابها وبانعزال تام عن الرجال، واستطاعت ان تضرب المثل الرائع في المشاركة في العمل بجميع القطاعات التربوية منها والصحية والتعليمية وغيرها من القطاعات الأخرى وهي بكامل حشمتها، وبهذا تكون قد قدمت لنا نموذجا إسلاميا رائداً للمرأة العاملة الملتزمة بالحجاب، مؤكدة للعالم اجمع ان الإسلام لم يمنع المرأة من العمل بل شجعه ضمن ضوابط الشرع، وان دين الإسلام هو الدين الخالد الذي يصلح لكل زمان ومكان يعطي لكل ذي حق حقه.
الثلاثاء ديسمبر 15, 2009 11:34 pm من طرف الطيّب
» حَدِيثُ الْيَوْم
الثلاثاء ديسمبر 15, 2009 11:30 pm من طرف الطيّب
» الحجاب
الجمعة يوليو 10, 2009 8:44 pm من طرف نور الأسلام
» حديث الشفاعة
الجمعة يوليو 10, 2009 8:32 pm من طرف نور الأسلام
» الامور التي أمر النبي صلى الله عليه و سلم الاستعاذه منها
الجمعة يوليو 10, 2009 8:05 pm من طرف نور الأسلام
» الإبتسامهٌ
الجمعة يوليو 10, 2009 7:53 pm من طرف نور الأسلام
» فيديو (احذروا السيئات الجارية لفضيلة الشيخ محمد العريفي)
الجمعة يوليو 10, 2009 7:42 pm من طرف نور الأسلام
» هل لكم قلوب
الجمعة يوليو 10, 2009 6:39 pm من طرف نور الأسلام
» اللسان نعمة ونقمة
الإثنين يونيو 29, 2009 5:10 am من طرف نور الأسلام
» مواعظ
الإثنين يونيو 29, 2009 4:33 am من طرف نور الأسلام
» لعبة Jazz Jackrabbit 2
الإثنين يونيو 29, 2009 4:18 am من طرف نور الأسلام
» لعبة الدكتور ، مستشفى خاص فيك وتعالج وتسوي العمليات .. وربي خطيره
الإثنين يونيو 29, 2009 3:54 am من طرف نور الأسلام
» معني بسم الله الرحمان الرحيم
الإثنين يونيو 29, 2009 3:52 am من طرف نور الأسلام
» ما مضى فات
الإثنين يونيو 29, 2009 3:45 am من طرف نور الأسلام
» تذكر قبل أن تعصي الله
الإثنين يونيو 29, 2009 2:31 am من طرف نور الأسلام
» نضرة الإسلام إلى متبرجة
الإثنين يونيو 29, 2009 2:10 am من طرف نور الأسلام
» هل تسرح فى الصلاة؟؟؟العلاج موجود
الإثنين يونيو 29, 2009 1:58 am من طرف نور الأسلام
» الخيانه
الخميس يونيو 25, 2009 3:43 pm من طرف أبو أسامة الدمياطي
» أكره أن أدخل بطني إلا طيبا
الخميس يونيو 25, 2009 3:20 pm من طرف أبو أسامة الدمياطي
» سلسله اصول الفقه للشيخ احمد حطيبه
الخميس يونيو 25, 2009 7:46 am من طرف فارس الاسلام